البيان لمناهج بعض من اشتهروا بتفسير القرآن
إن الحمد لله , نحمده , و نستعينه , و نستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , و من سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له , و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , و أشهد أن محمدًا عبده و رسوله ـ صلي الله عليه وسلم , اللهم صل وسلم وبارك على محمد و على آل بيته و صحابته و كل من اتبع سبيلهم إلي يوم الدين وبعد ,
فهذه كلمة مختصرة جدًا أردت بها بيان بعض التفاسير المشهورة , وخصائصها من النواحي الحديثية , و الفقهية , و اللغوية , وغيرها , وبيان موقف مصنفيها من العقيدة السلفية , و فيما يتعلق بالأسماء و الصفات خصوصًا , وذلك أن بيان منهج المفسر في الأسماء و الصفات يدل على إلتزامه بباقي المذهب كالاعتزال و الأشعرية .. وغير ذلك.
و الذي دفعني لذلك أسباب كثيرة من أهمها :
أننى كنت و ما زلت أري كثيرًا من المسلمين ـ بل و من طلبة العلم ـ من يقتني بعض التفاسير و هو لا يعلم عقيدة مصنف الكتاب ! فضلا عن معرفته بميزات الكتاب من النواحي الأخري ـ الفقهية و اللغوية ....الخ ـ فتري كثيرا من طلبة العلم ينصحون الناس بقراءة بعض كتب التفاسير المشهورة بالرغم مما فيها من بعض الإسرائيليات أو بالرغم مما فيها من زلل في باب الأسماء و الصفات خصوصا . و كذلك أري بعض إخواني ببعض المواقع السلفية يرفعون بعض التفاسير بدون التنويه عن حالها مثل : تفسير الآلوسي مثلا و هو المشتهر بـ ( روح المعاني ) وهذا التفسير يميل صاحبه للتصوف بالرغم من أن التفسير كوصف عام يعتبر موسوعة جيدة في التفسير ويصعب الاستغناء عنه بالكلية. وسيأتي الكلام بالتفصيل عن هذا التفسير.
و لما لمسنا صعوبة الاستغناء عن تفاسير كثيرة بالرغم مما فيها من زلل في العقيدة خصوصا في باب الأسماء و الصفات و لِما فيها من التنويه على بعض القراءات و أنها ذكرت أشياء لم تُذكر في غيرها من تفاسر أخري , فكانت الحاجة ماسة لاقتناء التفسير مع العلم به كوصف عام و معرفة ما فيه من زلل.
ثم من الأسباب أيضا أننى لم أجد ـ في حد علمي ـ أحدا صنف مصنفا جامعا لما نحن بصدده الآن. جمع فيه كل تفسير بوصفه العام و أهم ميزاته و كذلك ما فيه من أخطاء وعيوب .
و كان من الكتب التي استعنت بها فيما يتعلق بالنواحي الفقهية و اللغوية و الشعر و القراءات و إيراد الإسرائيليات هو كتاب ( التفسير و المفسرون ) للشيخ محمد حسين الذهبي رحمه الله , وهو كتاب مفيد نافع في بابه , اجتهد فيه مؤلفه اجتهادا كبيرا و استقرأ فيه كثيرا من كتب التفسير المتنوعة الكثيرة , وذكر خصائص كثيرا من التفاسير . فجزاه الله خيرًا على هذا العمل النافع.
و أضفت إلي الكلام الذي أذكره بعض ما تجمع لدي من تنبيهات أو تعليقات أو ملاحظات أو بحوث . وقررت أن أرفع من هذا البحث ما أستطيع رفعه لينتفع إخوانى , و سأرفعه مسلسلا لتجنب الإطناب و الإكثار الممل قدر المستطاع .
و الله أسأل أن يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم , نافعا للإخوة المسلمين , و ألا يحرمنا أجره . و الحمد لله وحده.
الطبري
( 224 ـ 310 هـ )
• اسمه : أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري الإمام العلامة الحافظ المؤرخ صاحب المذهب. رحمه الله. { ترجمته في : تاريخ بغداد (2/162) , لسان الميزان لابن حجر (5/100) , شذرات الذهب لابن العماد (2/260) , البداية و النهاية لابن كثير (11/145). }
• اسم الكتاب : جامع البيان في تأويل آي القرآن .
• الوصف العام للتفسير : قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مقدمة أصول التفسير : " من أجل التفاسير المأثورة و أعظمها قدرًا " وقد جمع إلي ذلك علوم الكتاب الأخري كالقراءات و معانيها , و الأحكام الفقهية المستفادة من الآيات , وبيان معاني الآيات من لغة العرب و الشعر وغير ذلك.
• عقيدته : له كتاب في عقيدة أهل السنة و الجماعة أسماه ( صريح السنة ).
أما عقيدته في التفسير فهو إمام متَّبَع , نصر مذهب السلف واحتج له و دافع عنه , ولكنه في صفة الغضب و الحياء ذكر أقوال المفسرين فقط دون أن يرجح منها شيئا . و كان ينبغي أن يرجح مذهب أهل السنة و الجماعة , لكنه سكت ولم يرجح شيئا . لكنه ليس بمؤول ولم يؤول أى اسم أو صفة . رحمه الله.
* موقفه من الأسانيد : التزم ـ رحمه الله ـ ذكر الروايات بأسانيدها وهذا من مميزاته القيمة حيث أنه سبق غيره و جاء بالروايات مسندة و كل من جاء بعده أخذ منه , ولكنه غالبا لا يتعقب الأسانيد المذكورة عنده لا بتصحيح ولا تضعيف , ولذلك تجد الضعيف كثيرا.
• موقفه من الأحكام الفقهية : يذكر الأحكام الفقهية الواردة في الآية , وأقوال العلماء و مذاهبهم , ويختار أحدهما ويرجح بالأدلة العلمية ولا يتقيد بمذهب بعينه و يذكر الإجماع ضمن ما يرجح به من الأقوال , وهو إمام مجتهد مطلق , يرجع المفسرون إلي قوله , وهم عيال عليه . وكان له مذهبه الخاص كأبي حنيفة و الشافعي ومالك وأحمد و الثوري وغيرهم من أصحاب المذاهب المشهورة , إلا أنه لم ينتشر كانتشار غيره , وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم.
• موقفه من القراءات : هو من علماء القراءات المشهورين , ولذلك يعتني بذكر القراءات ومعانيها , ويرد على الشواذ منها وما تحتويه من تغيير وتبديل لكتاب الله تعالي.
• موقفه من الإسرائيليات : يورد في تفسيره أخبارا و قصصا عن كعب الأحبار ووهب بن منبه وابن جريج و السُّدِّي و يتعقبها بالنقد , ولكنه لم يلتزم نقد جميع ما يرويه.
• موقفه من الشعر و النحو و اللغة : يحتوي على جُمل عظيمة من المعالجات اللغوية و النحوية , اكتسب الكتاب بها شهرة عظيمة , يرجع إلي كلام العرب كثيرا , ويرجح به بعض الأقوال أحيانا , ويذكر أشعار العرب القديمة , ويستشهد بها بشكل واسع ويتعرض كثيرا لمذاهب النحويين , ويوجه أقوالهم ويرجح به بعض الأقوال على بعض.
وكتب
الفقير إلى عفو ربه القدير
أحمد بن فتحي الزَّيْنِيّ
سامحه الله