العزة و الشجاعة من شيم اهل السنة و الجماعة
بسم الله الرحمن الرحيم
العزّة و الشجاعة مِن شِيم أهل السنة و الجماعة
الحمد لله رب العالمين,و الصلاة والسلام على نبينا محمد, و على آله و صحبه أجمعين.
الحق و العزيز اسمان مِن أسماء الله – عزّ و جلّ – و أمرنا الله – تبارك و تعالى – أن ْنعتزَّ بديننا ,وأنْ نقول الحق ,و لا نخشى في الله لومة لائم , قال تعالى:" وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ "
(29 سورة الكهف)
و قال تعالى :" وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ " (53 سورة الأحزاب)
و عاب الله على مِنْ يكتم الحق خشية الناس , قال تعالى:" أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ"
(13سورة التوبة)
و قال تعالى مخاطباًً نبيه – صلى الله عليه و سلم - :" وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ "
(37 سورة الأحزاب)
مع أنّه – صلى الله عليه و سلم – أشجع الناس , و أخشاهم لله , فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه–قال :" كان رسول الله – صلى الله عليه و سلم – أحسن الناس و كان أجود الناس , و كان أشجع الناس , و لقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قِبَل الصوت , فتلقاهم رسول الله – صلى الله عليه و سلم – راجعاًً , وقد سبقهم إلى الصـوت و هو على فرس لأبي طلحة ,عرى في عنقه السيف و هو يقول : لِم َتُراعوا , لِمَ تُراعوا "
(رواه مسلم )
و هكذا ربّى النبي – صلى الله عليه و سلم – صحابته الكرام على الإقدام و الشجاعة , و عزة النفس , وهذه الصفات الحميدة هي التي أخرجت عبد الله بن أم مكتوم الأعمى للجهاد , فحمل الراية فقاتل حتى قُتل , و هي التي أخرجت عمرو بن الجموح الأعرج و هويقول: " إني لأرجو أنْ أطأ بعرجتي هذه الجنة " فقاتل حتى قُتل "
و ما هذه الصفات الحميدة إلا نِتاج تربية القدوة الأول – صلى الله عليه و سلم–و قول الحق يحتاج إلى شـهامة و شجاعة لأنهما مِن الصفات الحميدة اللتان تتحقق بهما العزة في إحقاق الحق , و إبطال الباطل , و لو أدّى إلى قتله , و هذا ناتج مِن غيرته و حبه و دفاعه عن الإسلام و المسلمين , قال – صلى الله عليه و سلم - :" سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب , و رجل قام إلى إمام جائرفأمره و نهاه فقتله "
( رواه الحاكم و الحديث حسن )
و هذا الموقف الشجاع يحتاج إلى علم و أدب , و مراعاة لحقوق ولاة الأمور , مِن الـسـرّيـة في النصـيـحة و الأمر و النهي , لقوله – صلى الله عليه و سلم - :" مَنْ أراد أنْ ينصح لذي سلطان فلا يُبْده علانية , وليأخذ بيده فإن سمع منه فذاك , و إلا كان أدّى الذي عليه " ( رواه أحمد و الحديث صحيح )
فليس مِن الشهامة والشجاعة نصيحة ولاة الأمور علانيةً و جهراً و تشهيراً مِن فـوق المنـابر وفي الصـحـف و المجلات و البيانات و الإذاعات المسموعة و المرئية .
عن أسامة بن زيد–رضي الله عنه – أنّه قيل له : ألا تدخل على عثمان لتكلمه؟ فقال: أتروْن أنيلا أكلمه إلاّ أُسمعكم ؟ و الله لقد كلمتُه فيما بيني و بينه ما دون أنْأفتح أمراً لا أحبُّ أنْ أكون أول مَن فتحه "
( متفق عليه )
قال عياض – رحمه الله - : " مراد أسامة أنّه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى مِن عاقـبة ذلك , بل يتلطف به و ينصحه سراً , فذلك أجدر بالقَبول" ( فتح الباري 13 / 52 )
قال ابن النحاس–رحمه الله - : " و يختار الكلام مع السلطان في الخلـوة على الكلام معه على رؤوس الأشهاد , بل يود لو كلمه سراً و نصحه خُفية , مِن غير ثالث لهما "
( تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين ص 64 )
هذا منهج السلف في الشجاعة في مناصحة ولاة الأمور , فلا تغترّ أيها المسلم بالمهرجين و الغلاةالمـتـنطعيـن من التكفيريين و غيرهم مراعاة للمصالح و المفاسد .
و للأسف الشديد البعض من طلبة العلم أصابه مرض الخوف و الجبن , فهو لا يقوم بواجبه العلمي والدعوي خشية الاستهزاء و السخرية , أو خوفه على ماله و راتبه , فيتغاضى عن جرائم و آثام و أخطاء حزبه و قبيلته و صُحبته , فيوقعه هذا المرض في السكوت عن إنكار المنكرات التي يرتكبها بعض الأصدقاء و الأحباب , خشـية غضـبهم و فقدانهم و فساد علاقتهم و مودتهم , و خوفاً على المنافـع الحـزبية والمـادية التي قد تفوته , إذا قال الحـق أو نصح به .
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله - :" طالب النفوذ إلى الله و الدار الآخرة , بل إلى علم وصناعة و رئاسة , بحيث يكون رأساً في ذلك مُقتدى به فيه يحتاج أنْ يكون شجاعاً مقداماً حاكماً على وهمه , غير مقهور تحت سلطان تخيُّلِه , زاهداً في كل ما سوى مطلوبه , عاشقاً لما توجه إليه , عارفاً بطريق الوصول إليه , والطرق القواطع عنه ,مقدام الهمة , ثابت الجأش لا يثنيه عن مطلوبه لوم لائم , ولا عذل عاذل "
( الفوائد ص 191 )
فيا طالب العلم , يا مَن يُقتدى بك : كُن شجاعاً في إحقاق الحق ,و إبطال الباطل , ولا تلتفت للمصالح و الإغراءات المادية , فتقع في الذل و الإهانة.
و اعلم أنّ العزة والإباء و الكرامة و الشهامة و الشجاعة مِن أبرز الخلال التي نادى بهاالإسلام , فكن عزيزاً شهماً شجاعاً , حتى لا تكن مستباحاً لكل طامع , أوغرضاً لكل حاقد .
فالمسلم يرفض الذل والهوان للمجترئين عليه , و هو في هذه الحال مكلَّف أنْ يُبرز قوته , حتى يكسر شوكة المتطاولين و الظالمين , و له في مثل هذا الموقف أن يعفو عمّن ظلمه , و هو مقتدر , بعد أن تنتفي علائم الضعف.
قال تعالى:"خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْف ِوَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" (199 سورة الأعراف)
و قال تعالى :" فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ" (85سورة الحجر)
, قال تعالى :" وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"
(22سورة النــور)
و قال تعالى :" وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِب ُّالْمُحْسِنِينَ"
(134 سورة آل عمران)
و كل هذا حتى يظل المسلم منتصب القامة , مرتفع الهامة , لا يذل نفسه , و لا يقبـل الدنية في ديـنهو دنيـاه , و لا يعطي فرصة لأحمق حتى لا يستعلي و يستكبر .
إنّ اعتزاز المسلم بربه و دينه نابع من إيمانه و كرامته .
قال تعالى :" مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا "(10 سورة فاطر)
و مّنْ ابتغى العزة مِن غير الله , وقع في الذل و الهوان .
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله - :" و الفرق بين العـفـو و الذل , أنّ العـفو إسـقاط حقك جـوداً و كـرمـاً و إحسـانـاً مع قدرتك على الانتقام , فتؤثر الترك رغبة في الإحسان , و مكارم الأخلاق , بخلاف الذل , فإن صاحبه يترك الانتقام عجزاً و خوفاً و مكانة نفس , فهذا مذموم غير محمود , و لعل المنتقم بالحق أحسن حالاً منه .
قال تعالى :" وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ" (39 سورة الشورى)
فمدحهم بقوتهم على الانتصار لنفوسهم و تقاضيهم منهاذلك حتى إذا قدروا على مَن بغى عليهم و تمكنوا مِن استيفاء ما لهم عليه , ندبهم إلى الخُلُق الشريف مِن العفو و الصفح , قال تعالى :" وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" (40 سورة الشورى)
فذكر المقامات الثلاثة : العدل وأباحه , و الفضل و ندب إليه , و الظلم و حرّمه "
( الروح ص 141 - 142 )
فيا طالب العلم : العفو والصفح عند المقدرة من أخلاق الأنبياء و الرسل,فكـن شـجاعاً شهماً عزيزاًبين أهـلـك و إخوانك.
كن شجاعا في سؤال أهل العلم فيما أشكل عليك بالدليل الصحيح .
كن شجاعاً في نصرة المظلومين و المستضعفين .
كن شجاعاً في انتسابك لعقيدتك و منهجك .
كن شجاعاً في تراجعك عن الخطأ إن ظهر لك .
كن شجاعاً في مواقفك مع أهل الأهواء و البدع مع مراعاة المصالح و المفاسد.
كن شجاعاً في مواقفك مع الغلاة و المتنطعين و المميعين .
كن شجاعاً في انتصارك للحق.
كن شجاعاً في أرائك وقراراتك مع التأني و عدم العجلة .
فهذه صفات أهل الشهامة و الرجولة من أهل السنة و الجماعة , الذين قاموا بواجبهم العلني في تعليمهم و دعوتهم للناس من غير خوف و لا جبن , لإظهار دين الله – عز و جل–و الاعتزاز به .
و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين