من بدع الخطباء

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد :

فمما تقر به عيون أهل السنة اعتلاء طلبة العلم السلفيين أعواد المنابر ، مبصرين الناس بالتوحبد والسنة اللذين لا صلاح ولا نجاح للناس إلا بهما

غير أن المؤسف وقوع بعض هؤلاء الأفاضل في بعض البدع ، ولا شك أنهم لا يعلمون باندراج بعض ما يقع منهم تحت مسمى البدع وإلا لما فعلوا ذلك

و بناء ًعليه فإن من الواجب على سمع شيئاً من العلماء أن يبلغه لإخوانه عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم :" الدين النصيحة "

والآن نشرع بالمقصود

البدعة الأولى : لزوم السجع طوال الخطبة أو معظمها

عن ابن عباس قال:
" حدث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أكثرت فثلاث مرار، ولا تمل الناس هذا القرآن، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم، فتقص عليهم، فتقطع عليهم حديثهم فتملهم، ولكن أنصت، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه، فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك. يعني: لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب " رواه البخاري (5978)

قلت : فانظر كيف احتج على السجع في الدعاء على ترك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

وقد السجع في بعض الأدعية النبوية والآثار عن الصحابة كقوله :" اللهم حوالينا ولا علينا " وقول عمر في دعاء القنوت المأثور عنه :" اللهم إلياك نعبد ولك نصلي ونسجد "

ونهي ابن عباس محمول على السجع الطويل المتكلف

وأما في الخطبة فلم يرد عنهم ذلك السجع البارد الذي يفعله في بعض ( مشاهير الخطباء ) وكل خيرٍ في اتباع من سلف

وقد رأيت بنفسي أثر السجع السيء على الخطبة فإنه يذهب بهاءها ويلجيء الخطيب إلى بعض الألفاظ المستوحشة والتراكيب الغريبة _ مراعاةً للسجع _ مما يجعل الخطيب في واد والناس في واد آخر

البدعة الثانية : ملازمة تلاوة قوله تعالى :" إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ "

وقد سمعت العلامة مقبل الوادعي ينص على بدعية هذا الفعل _ وذلك في شريط حكم الجماعة الثانية _

والسبب في التزام الخطباء هذا الفعل هو أنه قد ورد عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يفعل ذلك بدلاً من ختم الخطب بسب أهل البيت

ولا يخفى أن هذا لو ثبت لما كان فيه حجة لأن عمر اختار هذه الآية رداً على الذين يسبون وقد انقرضوا والحكم الشرعي يدور مع علته وجوداً وعدماً

هذا إن قلنا أن فعل عمر بن العزيز حجة وليس كذلك

وهذا _ أيضاً _ إن حكمنا بصحة هذا الأثر _ ولا يصح _

فقد قال القلقشندي في (مآثر الإنـافة في معالم الخلافة)1/143: ((وكان قبله خلفاء بني أميَّة يسبُّون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المنَابِر من حين خَلَعَ الحسَن نفسه في سنة إحـدى وأربعين إلى أن وَلِيَ عمر بن عبد العـزيز فأبطل ذلك وكتب إلى نوَّابـه بإبطاله وجعل بدلَه الآية، فاستمرَّ قوله تعالى: إلى الآن، ومدحه)إن الله يأمُر بالعدل والإحسان...(الخُطبَاء على ذلك كثير الشَّاعر بقوله:
وليـتَ فلم تشتُـم عليـاً ولم تخـف *** بريئــاً ولم تتبــع سجيَّـة مجرم
وقلت فصدقت الذي قلت بالذي *** فعلت فأضحي راضياً كل مسلم ))

قلت : وهذه الرواية بلا إسناد وقد وجدتها في عدد التواريخ معضلةً بلا سند

البدعة الثالثة : لزوم بعض الخطباء لعبارة :" هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه " في نهاية الخطبة الأولى

قلت : وهذا وإن ورد في بعض الكتب الفقهية فمما لا دليل عليه

وهو أمرٌ للناس بالدعاء في الخطبة ، فما الدليل عليه ؟!

وقد جاء في مستدرك الحاكم 4813 - حدثنا أبو بكر بن إسحاق و علي بن حمشاد قالا : ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان عن مجالد بن سعيد عن الشعبي قال : خطبنا الحسن بن علي بالنخلة حين صالح معاوية فقام فحمد الله و أثنى عليه ثم قال : إن أكيس الكيس التقي و إن أعجز العجز الفجور و إن هذا الذي اختلف فيه أنا و معاوية حق لا مرىء و كان أحق بحقه مني أو حق لي فتركه لمعاوية إرادة استضلاع المسلمين و حقن دمائهم و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم

قلت : وهذا لا حجة فيه لضعفه أولاً فإن في سنده مجالد بن سعيد وهو ضعيف

ثم إنه ليس في الحديث قوله :" فاستغفروه يغفر الله لكم " ، ثم إنه لم يفعل ذلك في الخطبة الأولى دون الثانية بل الظاهر أن هذه ليست خطبة جمعة أصلاً

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم